تفسير سورة العلق والتين والشرح والضحى والليل

 

سورة العلق

سورة (العلق) وتسمى أيضا "اقرأ", وهي مكية, وعدد آياتها تسع عشرة آية. وصدر هذه السورة الكريمة يعتبر أول ما نزل من قرآن على النبي صلى الله عليه وسلم.

{ اقرأ باسم ربك الذي خلق } اقرأ -أيها النبي- ما أنزل إليك من القرآن مفتتحا باسم ربك المتفرد بالخلق.

{ خلق الإنسان من علق } الذي خلق كل إنسان من قطعة دم غليظ رطب.

و(العلق) الدم الجامد, وقيل: مجموعة من الخلايا التي نشأت بطريقة الانقسام عن البويضة الملقحة, وسمى "علقا" لتعلقه بجدار الرحم.

{ اقرأ وربك الأكرم } اقرأ -أيها النبي- ما أنزل إليك, وإن ربك لكثير الإحسان واسع الجود.

{ الذي علم بالقلم } الذي علم خلقه الكتابة بالقلم.

{ علم الإنسان ما لم يعلم } علم الإنسان ما لم يكن يعلم, ونقله من ظلمة الجهل إلى نور العلم.

قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات: فأول شيء من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات, وهو أول رحمة رحم الله بها العباد, وأول نعمة أنعم الله بها عليهم, وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإِنسان من علقه, وأن من كرمه -تعالى- أن علم الإِنسان ما لم يعلم, فشرفه وكرمه بالعلم, وهو القدر الذى امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة.

{ كلا إن الإنسان ليطغى } حقا إن الإنسان ليتجاوز حدود الله إذا أبطره الغنى.

(يطغى) من الطغيان, وهو تجاوز الحق في التكبر والتمرد.

{ أن رآه استغنى } أن رأى نفسه ذا غنى في المال والجاه والعشيرة.

{ إن إلى ربك الرجعى } فليعلم كل طاغية أن المصير إلى الله، فيجازي كل إنسان بعمله. وهذا تهديد ووعيد لهذا الطاغي.

{ أرأيت الذي ينهى } أرأيت أعجب من طغيان الذي ينهى (وهو أبو جهل).  

{ عبدا إذا صلى } عبدا لنا إذا صلى لربه (وهو محمد صلى الله عليه وسلم)؟.

{ أرأيت إن كان على الهدى } أرأيت إن كان المنهي عن الصلاة على الهدى فكيف ينهاه؟. 

{ أو أمر بالتقوى } أو إن كان آمرا غيره بالتقوى أينهاه عن ذلك؟.

{ أرأيت إن كذب وتولى } أرأيت إن كذب هذا الناهي بما يدعى إليه, وأعرض عنه.

{ ألم يعلم بأن اللَّهَ يرى } أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله أتم الجزاء.

{ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية } ليس الأمر كذلك لئن لم يرجع هذا عن شقاقه وأذاه لنأخذن بمقدم رأسه أخذا عنيفا, ويطرح في النار.

(السفع) الجذب بشدة على سبيل الإِذلال والإِهانة, وقيل: هو الاحتراق.

و(الناصية) الشعر الذى يكون في مقدمة الرأس.

{ ناصية كاذبة خاطئة } يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها.

{ فليدع ناديه } فليحضِر هذا الطاغية أهل ناديه الذين يستنصر بهم, أي قومه وعشيرته.

وأصل النادي: المكان الذى يجتمع فيه الناس للحديث, ولا يسمى المكان بهذا الاسم إلا إذا كان معدا لهذا الغرض.

{ سندع الزبانية } سندعو ملائكة العذاب.

{ كلا لا تطعه واسجد واقترب }  يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك (واسجد) لِربك (واقترب) منه, بالتحبب إليه بطاعته, فإن أبا جهل لن يقدر على ضرك, ونحن نمنعك منه.


اسباب النزول:

عن عائشة قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى, الرؤيا الصالحة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث -أي فيتعبد- فيه الليالي ذوات العدد, ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لذلك, حتى جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال له (اقرأ) قال: ما أنا بقارئ, قال صلى الله عليه وسلم فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد, ثم أرسلني فقال (اقرأ) فقلت: ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد, ثم أرسلني فقال (اقرأ) فقلت: ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد, ثم أرسلني فقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق ,,,).

قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم, فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته, أو لأعفرن وجهه في التراب, قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي, زعم ليطأ على رقبته, قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه, قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا قال: فأنزل الله عز وجل, لا ندري في حديث أبي هريرة, أو شيء بلغه, {كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى} يعني أبا جهل, {ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه سندع الزبانية * كلا لا تطعه}. زاد عبيد الله في حديثه قال: وأمره بما أمره به. وزاد ابن عبد الأعلى {فليدع ناديه} يعني قومه.

 

نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا جميعا من عباده الصالحين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

سورة التين

{ والتين والزيتون } أقسم الله بالتين والزيتون, وهما من الثمار المشهورة.

{ وطور سينين } وأقسم بجبل "طور سيناء" الذي كلم الله عليه موسى تكليما.

{ وهذا البلد الأمين } واقسم بهذا البلد الأمين من كل خوف وهو "مكة" مهبط الإسلام.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح, فتح مكة, لا هجرة, ولكن جهاد ونية, وإذا استنفرتم فانفروا. وقال يوم الفتح, فتح مكة, إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي, ولم يحل لي إلا ساعة من نهار, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده, ولا يلتقط إلا من عرفها, ولا يختلى خلاها, فقال العباس: يا رسول الله, إلا الإذخر, فإنه لقينهم ولبيوتهم, فقال: إلا الإذخر.

{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويملقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة. وهو جواب القسم.

(التقويم) إذا جعلته على أحسن الوجوه التي ينبغي أن يكون عليها, وهذا الحسن يشمل الظاهر والباطن للإِنسان.

{ ثم رددناه أسفل سافلين } ثم رددناه إلى النار إن لم يطع الله, ويتبع الرسل.

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } لكن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم أجر عظيم غير مقطوع ولا منقوص.

{ فما يكذبك بعد بالدين } أي شيء يحملك -أيها الإنسان- على أن تكذب بالبعث والجزاء مع وضرح الأدلة على قدرة الله تعالى على ذلك؟.

{ أليس الله بأحكم الحاكمين } أليس الله الذي جعل هذا اليوم للفصل بين الناس بأحكم الحاكمين في كل ما خلق؟ بلى. والاستفهام هنا للتقرير.


نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا جميعاً من عباده الصالحين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


سورة الشرح

سورة (الشرح) تسمى ايضا "ألم نشرح", "الانشراح", وهي مكية, وعدد آياتها ثماني آيات.

{ ألم نشرح لك صدرك } ألم نوسع لك -أيها النبي- صدرك لشرائع الدين, والدعوة إلى الله, والاتصاف بمكارم الأخلاق.

قال الإِمام الرازي فإن قيل: لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب؟ فالجواب أن محل الوسوسة هو الصدر, كما قال -تعالى- (الذى يوسوس فِي صدور الناس) فإزالة تلك الوسوسة, وإبدالها بدواعي الخير, هي الشرح, فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب.

{ ووضعنا عنك وزرك } وحططنا عنك بذلك حملك.

(الوضع) الإِزالة والحط.

(الوزر) الحمل الثقيل.

{ الذي أنقض ظهرك } الذي أثقل ظهرك.

{ ورفعنا لك ذكرك } وجعلناك بما أنعمنا عليك من المكارم في منزلة رفيعة عالية, بأن تذكر مع ذكري في الآذان والإقامة والتشهد والخطبة وغيرها.

{ فإن مع العسر يسرا } فلا يثنك أذى أعدائك عن نشر الرسالة فإن مع الضيق فرجا, وهي بشارة عظيمة.

{ إن مع العسر يسرا } ثم أكد هذا الخبر.

وتعريف (العسر) في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير (اليسر) يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.

{ فإذا فرغت فانصب } فإذا فرغت من أمور الدنيا, وأشغالها فجد في العبادة,

{ وإلى ربك فارغب } وإلى ربك وحده فارغب فيما عنده.

فالمقصود بهاتين الآيتين حثه صلى الله عليه وسلم وحث أتباعه في شخصه على استدامة العمل الصالح, وعدم الانقطاع عنه, مع إخلاص النية لله -تعالى- فإن المواظبة على الأعمال الصالحة مع الإخلاص فيها, تؤدى إلى السعادة التي ليس بعدها سعادة.

 

نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا جميعا ممن يعمرون أوقاتهم بالأعمال الصالحة, والخالصة لوجهه الكريم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

سورة الضحى

سورة (الضحى) من السور المكيه الخالصة, بل هي من أوائل السور المكية, وعدد آياتها إحدى عشرة آية.

{ والضحى } أقسم الله بوقت الضحى, وهو وقت ارتفاع الشمس بعد إشراقها, وقيل: المراد به النهار كله.

{ والليل إذا سجى } وبالليل إذا سكن بالخلق واشتد ظلامه, ويقسم الله بما يشاء من مخلوقاته, أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير خالقه, فإن القسم بغير الله شرك.

{ ما ودعك ربك وما قلى } ما تركك -أيها النبي- ربك, وما أبغضك بإبطاء الوحي عنك. وهذا جواب القسم.

سبب نزول هذه السورة الكريمة: عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم, فلم يقم ليلة أو ليلتين, فأتته امرأة، فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك, فأنزل الله عز وجل (والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى).

ثم بشره -سبحانه- ببشارتين عظيمتين, قد بلغتا الدرجة العليا في السمو والرفعة, فقال (وللآخِرة خير لّك من الأولى * ولسوف يعطِيك ربك فترضى).

{ وللآخرة خير لك من الأولى } وللدار الآخرة خير لك من دار الدنيا. وقال بعضهم يحتمل: أن يراد بهما نهاية أمره صلى الله عليه وسلم وبدايته, أي لنهاية أمرك خيرك من بدايته، فأنت لا تزال تتزايد قوة، وتتصاعد رفعة.

{ ولسوف يعطيك ربك فترضى } ولسوف يعطيك ربك-أيها النبي- من أنواع الإنعام في الآخرة, فترضى بذلك رضاء تاما.

{ ألم يجدك يتيما فآوى } ألم يجدك من قبل يتيما, فآواك ورعاك؟. الاستفهام هنا للتقرير, و(اليتيم) هو من فقد أباه وهو صغير.

{ ووجدك ضالا فهدى } ووجدك لا تدري ما الكتب ولا الإيمان, فعلمك ما لم تكن تعلم, ووفقك لأحسن الأعمال؟.

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نشأ في بيئة منحرفة في عقائدها وأخلاقها, لم تطمئن نفسه الكريمة إليها, إلا أنه كان حائرا في الوصول إلى الدين الحق, فهداه الله -تعالى- إليه, والهداية إلى الحق بعد الحيرة والضلال عنه, منة عظمى, ونعمة كبرى.

{ ووجدك عائلا فأغنى } ووجدك فقيرا, فساق لك رزقك, وأغنى نفسك بالقناعة والصبر؟.

قال قتادة في قوله تعالى (ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى) قال: كانت هذه منازل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل.

{ فأما اليتيم فلا تقهر } فأما اليتيم فلا تسيء معاملته.

(القهر) التغلب على الغير والإِذلال له.

قال صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا, وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما).

{ وأما السائل فلا تنهر } وأما السائل فلا تزجره, بل أطعمه, واقض حاجته.

المراد بالسائل: يشمل كل سائل عن مال أو عن علم أو عن غير ذلك من شئون الحياة.

{ وأما بنعمة ربك فحدث } وأما بنعمة ربك التي أسبغها عليك فتحدث بها.

 

سورة الليل

{ والليل إذا يغشى } أقسم الله سبحانه بالليل عندما يغطي بظلامه الأرض وما عليها.

(يغشى) يغطي.

{ والنهار إذا تجلى } وبالنهار إذا انكشف عن ظلام الليل بضيائه.

(التجلي) الوضوح.

{ وما خلق الذكر والأنثى } وبخلق الزوجين الذكر والأنثى.

إن كانت (ما) موصولة, كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة, بأنه خالق الذكور والإناث, وإن كانت (ما) مصدرية, كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى, التي تدل على كمال قدرته,  وبديع صنعته.

{ إن سعيكم لشتى } إن عملكم لمختلف بين عامل للدنيا وعامل للآخرة. هذا جواب القسم.

(السعي) العمل.

و(شتى) جمع شتيت, وهو المتفرق المتناثر بعضه عن بعض.

روى أبو مالك الأشعري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).

{ فأما من أعطى واتقى } فأما من بذل من ماله واتقى الله في ذلك.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا).

{ وصدق بالحسنى } وصدق بـ (لا إله إلا الله) وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء, وقال اخرون: وصدق بالخلف من الله.

{ فسنيسره لليسرى } فسنرشده إلى أسباب الخير والصلاح ونيسر له أموره.

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة, فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض, فقال (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار, ومقعده من الجنة قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا, وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له, أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة, وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة, ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى).

{ وأما من بخل واستغنى } وأما من بخل بماله واستغنى عن جزاء ربه.

{ وكذب بالحسنى } وكذب بـ (لا إله إلا الله) وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء, وقال اخرون: وكذب بالخلف من الله.

{ فسنيسره للعسرى } فسنيسر له أسباب الشقاء.

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها, وقد وصفت المؤمنين الصادقين بثلاث صفات هي جماع كل خير, وأساس جميع الفضائل: وصفهم بالسخاء, وبالخوف من الله تعالى, وبالتصديق بكل ما يجب التصديق به, ورتب على ذلك توفيقهم للخصلة الحسنى, التي تنتهى بهم إلى الفوز والسعادة.

ووصف أيضا أهل الفسوق والفجور بثلاث صفات, هي أساس البلاء, ومنبع الفساد, ألا وهى: البخل, والغرور, والتكذيب بكل ما يجب الإِيمان به, ورتب سبحانه على ذلك تهيئتهم للخصلة العسرى, التي توصلهم إلى سوء المصير, وشديد العقاب.

{ وما يغني عنه ماله إذا تردى } ولا ينفعه ماله الذي بخل به إذا وقع في النار.

{ إن علينا للهدى } إن علينا أن نبين طريق الهدى الموصل إلى الله وجنته من طريق الضلال.

{ وإن لنا للآخرة والأولى } وإن لنا ملك الحياة الآخرة والحياة الدنيا.

{ فأنذرتكم نارا تلظى } فحذرتكم -أيها الناس- وخوفتكم نارا تتوهج, وهي نار جهنم.

عن النعمان بن بشير, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغل المرجل، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا).

{ لا يصلاها إلا الأشقى } لا يدخلها إلا من كان شديد الشقاء.

{ الذي كذب وتولى } الذي كذَّب نبي الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأعرض عن الإيمان بالله ورسوله، وطاعتهما.

{ وسيجنبها الأتقى } وسيزحزح عنها شديد التقوى.

{ الذي يؤتي ماله يتزكى } الذي يبذل ماله ابتغاء المزيد من الخير.

{ وما لأحد عنده من نعمة تجزى } وليس إنفاقه ذاك مكافأة لمن أسدى إليه معروفا.

{ إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } لكنه يبتغي بذلك وجه ربه الأعلى ورضاه.

{ ولسوف يرضى } ولسوف يعطيه الله في الجنة ما يرضى به.

قال الإِمام ابن كثير: وقد ذكر غير واحد من المفسرين, أن هذه الآيات قد نزلت في أبى بكر الصديق رضى الله عنه حتى إن بعضهم حكى الإِجماع من المفسرين على ذلك, ولا شك أنه داخل فيها, وأولى الأمة بعمومها, فإن لفظها لفظ العموم, وهو قوله (وسيجنبها الأتقى * الذى يؤتي ماله يتزكى) ولكنه مقدم الأمة, وسابقهم في جميع هذه الأوصاف, وسائر الأوصاف الحميدة, فإنه كان صديقا, تقيا, كريما, جوادا, بذالا لماله في طاعة مولاه, ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم.


نسأل الله تعالى أن يحشرنا جميعا في زمرة عباده الأتقياء الأنقياء.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفسير سورة الشمس والبلد والفجر والغاشية

تفسير سورة المسد والنصر والكافرون والكوثر والماعون