سورة الأعلى
سورة (الأعلى) تسمى أيضا "سبح اسم
ربك الأعلى", وهي مكية في قول الجمهور, وعدد آياتها تسع عشرة آية.
{ سبح اسم ربك الأعلى } نزه اسم ربك الأعلى عن الشريك والنقائص تنزيها يليق بعظمته سبحانه.
عن عبد الله بن عباس ( أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال "سبحان ربي الأعلى"
).
عن أبي بن كعب قال "كان رسول الله
يقرأ في الوتر ب (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الركعة الثانية ب (قل يا أيها الكافرون)
وفي الثالثة ب (قل هو الله أحد) ولا يسلم إلا في آخرهن ويقول يعني بعد التسليم سبحان
الملك القدوس ثلاثا".
{ الذي خلق فسوى } الذي خلق المخلوقات, فأتقن خلقها وأحسنه.
{ والذي قدر فهدى } والذي قدر جميع المقدرات, فهدى كل خلق إلى ما يناسبه.
{ والذي أخرج المرعى } والذي أنبت الكلأ الأخضر.
(المرعى) النبات الذى ترعاه الحيوانات, وهو
اسم مكان للأرض الذى يوجد فيها النبات.
{ فجعله غثاء أحوى } فجعله بعد ذلك هشيما جافا متغيرا.
(الغثاء) هو اليابس الجاف من النبات الذى
ترعاه المواشي.
و(الأحوى) أي المائل إلى السواد, مأخوذ
من الحوة -بضم الحاء مع تشديد الواو المفتوحة- وهى لون يكون بين السواد والخضرة
أو الحمرة. ووصف الغثاء بأنه أحوى, لأنه إذا طال عليه الزمن, وأصابته المياه, اسود
وتعفن فصار أحوى.
المقصود من هذه الآيات الكريمة: الإِرشاد
إلى كمال قدرته, وتنوع نعمه -سبحانه- حتى يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم, وحتى
يعود الكافرون إلى رشدهم بعد هذا البيان الواضح الحكيم.
{ سنقرئك فلا تنسى } سنقرئك -أيها الرسول- هذا القرآن قراءة لا تنساها, وهذا إخبار من الله -عز وجل- ووعد منه له.
(النسيان) زوال ما كان موجودا في حافظة
الإِنسان.
{ إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر
وما يخفى } إلا ما شاء الله مما اقتضت حكمته أن ينسيه لمصلحة
يعلمها. إنه -سبحانه- يعلم الجهر من القول والعمل, وما يخفى منهما.
{ ونيسرك لليسرى } ونيسرك لليسرى في جميع أمورك, ومن ذلك تسهيل تلقي أعباء الرسالة, وجعل
دينك يسرا لا عسر فيه.
ولقد أنجز الله -تعالى- لنبيه صلى الله
عليه وسلم وعده: حيث أعطاه شريعة سمحة, ومنحه أخلاقا كريمة, من مظاهرها أنه صلى الله
عليه وسلم ما خير بين الأمرين إلا اختار أيسرهما, ودعا أتباعه إلى الأخذ بمبدأ التيسير,
فقال (يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا . .).
فهاتان بشارتان عظيمتان للرسول صلى الله
عليه وسلم أولاهما: تتمثل في إلهامه الذاكرة الواعية الحافظة لما يوحى إليه. وثانيتهما:
توفيقه صلى الله عليه وسلم إلى الشريعة اليسرى, وإلى الأخلاق الكريمة وإلى الأخذ بما
هو أرفق وأيسر في كل أحواله.
{ فذكر إن نفعت الذكرى } فعظ قومك -أيها الرسول- حسبما يسرناه لك بما يوحى إليك, واهدهم إلى ما
فيه خيرهم. وخص بالتذكير من يرجى منه التذكر, ولا تتعب نفسك في تذكير من لا يورثه التذكر
إلا عتوا ونفورا.
{ سيذكر من يخشى } سيتعظ من يخشى الله, ويخاف عقابه, ويرجو ثوابه.
{ ويتجنبها الأشقى } ويبتعد عن الذكرى الأشقى الذي لا يخشى ربه.
{ الذي يصلى النار الكبرى } الذي سيدخل نار جهنم العظمى يقاسي حرها.
{ ثم لا يموت فيها ولا يحيا } ثم لا يميت فيها فيستريح, ولا يحيا حياة
تنفعه.
عن أبي سعيد, عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال (إن أهل النار الذين لا يريد الله عز وجل إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون, وإن
أهل النار الذين يريد الله عز وجل إخراجهم يميتهم فيها إماتة, حتى يصيروا فحما، ثم
يخرجون ضبائر, فيلقون على أنهار الجنة -أو يرش عليهم من أنهار الجنة- فينبتون كما تنبت
الحبة في حميل السيل).
{ قد أفلح من تزكى } قد فاز من طهر نفسه من الأخلاق السيئة.
وعبر -سبحانه- بقوله (قد أفلح) ليجمع في
هذا التعبير البليغ, كل معانى الخير والنفع, لأن الفلاح معناه: وصول المرء إلى ما يطمح
إليه من فوز ونفع. وجاء التعبير بالماضي المسبوق بقد, للدلالة على تحقيق هذا الفلاح
بفضل الله -تعالى- ورحمته.
{ وذكر اسم ربه فصلى } وذكر الله, فوحده ودعاه وعمل بما يرضيه, وأقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء
رضوان الله وامتثالا لشرعه.
{ بل تؤثرون الحياة الدنيا } إنكم -أيها الناس- تفضلون زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة.
{ والآخرة خير وأبقى } والدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم, خير من الدنيا وأبقى.
عن المستورد بن شداد, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (والله
ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم ترجع).
{ إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم
وموسى } إن ما أخبرتم به في هذه السورة هو مما ثبت
معناه في الصحف التي أنزلت قبل القرآن. وهي صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سورة الطارق
{ والسماء والطارق } أقسم الله سبحانه وتعالى بالسماء والنجم الذي يطرق ليلا.
وقع القسم بمخلوقين عظيمين فيهما دلالة
على عظيم قدرة خالقهما هما: السماء, والنجوم, أو نجم منها عظيم معروف.
{ وما أدراك ما الطارق } وما أدراك ما عِظم هذا النجم؟. فالاستفهام مستعمل في تعظيم أمره.
قال القرطبي, قال سفيان: كل ما في القرآن
(وما أدراك) فقد أخبر به, وكل شيء قال فيه (وما يدريك) لم يخبر به.
{ النجم الثاقب } هو النجم المضيء المتوهج.
(الثاقب) أي المضيء الذى يثقب الظلام ويخرقه
بنوره فينفذ فيه ويبدده.
{ إن كل نفس لما عليها حافظ } ما كل نفس إلا أوكل بها ملَك رقيب يحفظ
عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة. وهذا
جواب القسم.
المقصود من الآية الكريمة: تحقيق تسجيل
أعمال الإِنسان عليه, وأنه سيحاسب عليها وسيجازى عليها بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
{ فلينظر الإنسان مم خلق } فلينظر الإنسان المنكر للبعث مم خلق؟ ليعلم أن إعادة خلق الإنسان ليست
أصعب من خلقه أولا, و(مم خلق) استفهام. والمقصود منه هنا: الحث والحض على التفكر والتدبر.
{ خلق من ماء دافق } خلق من مني
منصب بسرعة في الرحم, وهو جواب الاستفهام.
(دافق) اسم فاعل من الدفق, وهو الصب للشيء
بقوة وسرعة.
{ يخرج من بين الصلب والترائب } يخرج من بين صلب الرجل وصدر المرأة.
(الصلب) العمود العظمي الكائن في وسط الظهر,
وهو ذو الفقرات.
و(الترائب) جمع تريبة, وهى العظام التي
تكون في أعلى صدر المرأة, ويعبرون عنها بقولهم موضع القلادة من المرأة.
{ إنه على رجعه لقادر } إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لَقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت.
{ يوم تبلى السرائر } يوم تختبر السرائر فيما أخفته, ويميز الصالح منها من الفاسد.
(تبلى) من البلاء بمعنى الاختبار والامتحان.
والمراد بها هنا: الكشف والظهور.
و (السرائر) جمع سريرة, وهى ما أسره الإِنسان
من أقوال وأفعال.
{ فما له من قوة ولا ناصر } فما
للإنسان من قوة يدفع بها عن نفسه, ولا ناصر ينصره من عذاب الله.
{ والسماء ذات الرجع * والأرض ذات
الصدع } والسماء ذات المطر المتكرر. والأرض ذات التشقق بما يتخللها من نبات. وهذا
قسم ثاني.
في قوله -تعالى- (والسماء ذات الرجع * والأرض
ذات الصدع) مقابلة لطيفة, حيث وصف -سبحانه- السماء والأرض بما يناسبهما, وبما يشير إلى أن البعث
حق, لأنه كما ينزل المطر من السماء فيحيى الأرض بعد موتها, كذلك يحيى الله -تعالى-
بقدرته الأجساد بعد موتها.
{ إنه لقول فصل } إن القرآن لقول فاصل بين الحق والباطل. وهو جواب القسم.
{ وما هو بالهزل } وما هو باللعب ولا الباطل.
في هذه الآيات الكريمة رد بليغ, على أولئك
المشركين الجاهلين, الذين وصفوا القرآن, بأنه نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ليهزل
به, لأنه يخبرهم بأن الأموات سيعادون إلى الحياة مرة أخرى, وذلك أمر تستبعده نفوسهم
المطموسة.
{ إنهم يكيدون كيدا } إن المكذبين
للرسول صلى الله عليه وسلم, وللقرآن, يكيدون ويدبرون, ليدفعوا بكيدهم الحق ويؤيدوا
الباطل.
(الكيد) العمل على إلحاق الضرر بالغير بطريقة
خفية, فهو نوع من المكر.
والمراد بكيد المشركين: تكذيبهم الرسول
صلى الله عليه وسلم, ولما جاء به من عند ربه, فكيدهم مستعمل في حقيقته.
{ وأكيد كيدا } وأكيد كيدا لإظهار الحق, ولو كره الكافرون.
والمراد بكيد الله: هو استدراجه إياهم من حيث لا
يعلمون, ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر, في الوقت الذى يختاره
ويشاؤه.
{ فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } فلا تستعجل لهم -أيها الرسول- بطلب إنزال العقاب بهم, بل أنظرهم قليلا, وسترى
ما يحل بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك.
(التمهيل) مصدر مهل بمعنى أمهل, وهو الإِنظار
إلى وقت معين أو غير معين, فالجمع بين "مهل" و"أمهلهم" تكرير للتأكيد لقصد زيادة التسكين,
وخولف بين الفعلين في التعدية مرة بالتضعيف وأخرى بالهمز لتحسين التكرير.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سورة البروج
سورة (البروج) من السور المكية الخالصة, وتسمى سورة "السماء ذات البروج", وعدد آياتها: اثنتان وعشرون آية.
{ والسماء ذات البروج } أقسم الله تعالى بالسماء ذات المنازل التي تمر بها الشمس والقمر.
{ واليوم الموعود } وبيوم القيامة الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه.
{ وشاهد ومشهود } وشاهد يشهد, ومشهود يشهد عليه.
ويقسم الله- سبحانه- بما يشاء من مخلوقاته,
أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله, فإن القسم بغير الله شرك.
{ قتل أصحاب الأخدود } لعن الذين شقوا في الأرض شقا عظيما, لتعذيب المؤمنين.
(الأخدود)
الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق, وجمعه أخاديد. ومنه الخد لمجاري الدموع, والمخدة
لأن الخد يوضع عليها.
وأصحاب الأخدود: هم قوم من الكفار السابقين,
حفروا حفرا مستطيلة في الأرض, ثم أضرموها بالنار, ثم ألقوا فيها المؤمنين, الذين خالفوهم
في كفرهم, وأبوا إلا إخلاص العبادة لله -تعالى- وحده.
{ النار ذات الوقود } النار الشديدة ذات الحطب الجزل.
{ إذ هم عليها قعود } أي على
حافة الأخدود جلوس لتعذيب المؤمنين.
{ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من تنكيل وتعذيب
حضور.
{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله
العزيز الحميد } وما أنكروا عليهم وأخذوهم بمثل هذا العقاب
الشديد إلا أن كانوا مؤمنين بالله العزيز الذي لا يغالَب, الحميد في أقواله وأفعاله
وأوصافه.
{ الذي له ملك السماوات والأرض والله
على كل شيء شهيد } الذى له ملك جميع ما في السموات والأرض, وهو -سبحانه- على كل شيء شهيد ورقيب, لا يخفى عليه أمر من أمور عباده أو حال من أحوالهم.
{ إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات
ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق }إن الذين أحرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار, ليصرفوهم عن دين الله, ثم
لم يتوبوا ويندموا على ما أسلفوا, فلهم في الآخرة عذاب جهنم, ولهم العذاب الشديد المحرق.
وجمع -سبحانه- بين عذاب جهنم لهم, وبين
عذاب الحريق, لبيان أن العذاب لهم مضاعف, بسبب طغيانهم وشركهم.
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير }إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحات, لهم جنات تجري من
تحت قصورها الأنهار, ذلك الفوز العظيم.
{ إن بطش ربك لشديد } إن انتقام ربك من أعدائه وعذابه لهم لعظيم شديد.
(البطش) هو الأخذ بقوة وسرعة وعنف.
{ إنه هو يبدئ ويعيد } إنه هو يبدئ الخلق ثم يعبده. وهو -سبحانه- وحده الذى يبدئ البطش بالكفار في الدنيا ثم يعيده عليهم
في الآخرة بصورة أشد وأبقى.
وحذف -سبحانه- المفعول في الفعلين, لقصد
العموم, ليشمل كل ما من شأنه أن يبدأ وأن يعاد من الخلق أو من العذاب أو من غيرهما.
{ وهو الغفور الودود } وهو الغفور
لمن تاب, كثير المودة المحبة لأوليائه.
{ ذو العرش المجيد } صاحب العرشِ العظيم.
{ فعال لما يريد } فعال لما يريد,
لا يمتنع عليه شيء يريده.
{ هل أتاك حديث الجنود } هل بلغك -أيها الرسول- خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائها. والاستفهام هنا للتقرير والتهويل.
المراد بالجنود: الجموع الكثيرة التي عتت
عن أمر ربها, فأخذها -سبحانه- أخذ عزيز مقتدر.
{ فرعون وثمود } فرعون وثمود, وما
حل بهم من العذاب والنكال.
{ بل الذين كفروا في تكذيب } بل الذين كفروا في تكذيب متواصل كدأب من قبلهم.
{ والله من ورائهم محيط } والله قد أحاط بهم علما وقدرة, لا يخفى عليه منهم ومن أعمالهم شيء.
{ بل هو قرآن مجيد } بل هو قرآن عظيم كريم.
{ في لوح محفوظ } في لوح محفوظ, لا يناله تبديل ولا تحريف.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق